الأمم تدفع الثمن باهظا قبل أن تمسك بأول
الخيط الذي يؤدي إلى النور. الأمم تشعر أحيانا بأنها مهددة في وجودها ، في تماسكها
وكينونتها. وينبغي لها أن تشهد كارثة حقيقية لكي تنبت فيها فكرة واحدة أو حتى نصف
فكرة ذات معنى. لكي نستطيع أن نطرح سؤالا واحدا على الواقع ينبغي أن يحصل انهيار،
أن ينفجر في وجهنا زلزال. ذلك أن السؤال محجوب في أعماق الواقع ومكبوت في تلافيفه
واحشائه الخفية. من يجرؤ على الاقتراب من السؤال مسافة أكثر من اللازم احترقت
يداه، وربما عميت عيناه. ذلك أن السؤال محمي ومحروس بالأسلاك الشائكة، السؤال مقفل
عليه بالرتاج. ممنوع أن تقترب من السؤال الأعظم. ممنوع أن تنظر إليه، أن تحدق فيه
، أن تطرح عليه علامة استفهام. ذلك أن السؤال مطموس منذ زمن طويل إلى حد أنه لم
يعد يبدو سؤالا. لقد تحول إلى جواب نهائي قاطع ومانع لقد أصبح مسلمة بديهية لا تحتاج
إلى نقاش. لقد فقد تاريخيته وغاص في أعماق الزمن السحيق، وخلع عليه الزمن المتطاول
حلة التقديس.
يضاف إلى ذلك أن السؤال محروس بالرجال، هناك
قوى كاملة بعددها وعدتها مستعدة في كل لحظة للانقضاض على من تسول له نفسه أن يقترب
ولو مجرد اقتراب من منطقة السؤال. هناك جيوش كاملة من المراقبين والشيوخ والحراس
والموظفين. هناك أمة بأسرها كانت قد بنت مشروعيتها، وأسست كيانها وهويتها على طمس
السؤال، على تقييد السؤال بالأغلال، على تحويل السؤال إلى جواب. من يستطيع إذن أن
ينبش السؤال من تحت الأنقاض، أن ينفض عنه الغبار، أن ينزع من حواليه الألغام؟ ويل
لمن تسول له نفسه أن يقترب من منطقة السؤال ! ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق