السبت، 15 يوليو 2017

احترامي سيادة العميد.. - غيورغي ڤاسيلييڤ

بسام الخوري شخص ولد في عائلة سورية متوسطة الحال، لا تتميز عن بقية العائلات السورية الأخرى. الأب يعمل في الجامعة، والأم ربة بيت، ككل ستّات البيوت في سوريا.
بسام الخوري أكمل الدراسة الإبتدائية، والإعدادية، والثانوية في احدى مدارس الشام. الشيء الوحيد الذي ميزه عن بقية الطلاب، أنه انهى المدرسة بامتياز.
وبالطبع، يعرف أبو بسام ان التعليم في سوريا متدني المستوى، خصوصا، وأنه هو نفسه درس في الخارج ، في فرنسا. 
وعلى الرغم من أن بسام طالب متفوق جدا، وهذا الأمر بحد ذاته لا يعني للمسؤولين في سوريا وبقية البلدان الناطقة بالعربية أي شيء، بحث الأب طويلا عن "إيد طايلة"، أو عمَّن "بيضاتو تقال "، ووجد في النهاية من بحث عنه. وكلفته عملية إرسال إبنه الى الخارج أموالا طائلة (رشاوى، هدايا، عزيمة وسكرة في احد النوادي الليلية، تنجيح أبناء وبنات بعض المقربين لأولئك الذين ساعدوه ...الخ).
سافر بسام الى فرنسا محملا بتبريكات الأهل ووصاياهم. وفي الخارج درس بسام الخوري في جامعة باريسية جيدة. وبعد خمس سنين أنهى بسام دراسته وعاد الى سورية محملا بمعارف تعادل جهوده المبذولة هناك، وتاركا وراءه زوجة غير شرعية وطفلة، على أمل العودة اليهم بعد فترة قصيرة.
وفور عودته الى البيت طلبوه للخدمة في الجيش. وطبعا، بما انه درس خمس سنوات، فهو سيخدم كضابط. وفي الفترة الاولى التي تسمى عادة "دورة" تعرف بسام على غنى الفاظ العربية من مرادفات، واضداد ... وغيرها. وهناك ايضا تعرف بسام - الدارس في بلد أوربي والحامل شهادة جامعة – على قيمة الانسان الحقيقية في ام الحضارات، سوريا.
في احد الأيام وهو في الثكنة طلبوه بالميكرفون الى أحد المكاتب للرد على التلفون. نقذه قلبه وقال: "الرب يجعلو خِير!".
وقيل له إنَّ أُمَّه ماتت، وإنَّ عليه أن يحضر الدفن غداً.
راح الى مكتب العميد، قائد الوحدة التي يخدم فيها، وما ان اقترب من المكتب، حتى رأى العميد خارجا منه. تقدم بسام من العميد وضرب له تحية: "إحترامي، سيادة العميد!"
قال العميد: " شو عم بتساوي هون يا ابن الشرموطة؟"
"سيدي، الشرموطة عَطِيتَكْ عِمْرا"، قال بسام بحزن وبدهشة في آن واحد.
قال العميد: "روح، قِلِّون يِكْتِبولَكْ إجازة، يُوم، لَأْ، يوُمِينْ، يلّا نْقِلِعْ مِنْ هُونْ!"
"حاضر، سِيدي، بَسْ الناسْ المُحْتَرَمين ما بْيِحْضَرو دَفنْ شَرْموطة!"، قال بسام للعميد.
ولكن العميد إما لم يسمع، واما لم يُرِدْ أن يسمع.
وعلى كل حال أعطوه إجازة لمدة يومين لحضور دفن أمه. وبعد الدفن إختفى نهائيا. وتلقى أبوه بعد فترة قصيرة ورقة تبليغ أنَّ أبنه فارٌّ من الجيش. شعر الأب بغصَّةٍ في قلبه وسقط ميتاً.

2004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق